الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله: (باب الساعة التي في يوم الجمعة) أي التي يجاب فيها الدعاء. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا الشرح: قوله: (عن أبي الزناد) كذا رواه أصحاب مالك في الموطأ، وثم فيه إسناد آخر إلى أبي هريرة وفيه قصة له مع عبد الله بن سلام. قوله: (فيه ساعة) كذا فيه مبهمة، وعينت في أحاديث أخر كما سيأتي. قوله: (لا يوافقها) أي يصادفها، وهو أعم من أن يقصد لها أو يتفق له وقوع الدعاء فيها. قوله: (وهو قائم يصلي يسأل الله) هي صفات لمسلم أعربت حالا، ويحتمل أن يكون يصلي حالا منه لاتصافه بقائم، ويسأل حال مترادفة أو متداخلة، وأفاد ابن عبد البر أن قوله " وهو قائم " سقط من رواية أبي مصعب وابن أبي أويس ومطرف والتنيسي وقتيبة وأثبتها الباقون، قال: وهي زيادة محفوظة عن أبي الزناد من رواية مالك وورقاء وغيرهما عنه، وحكى أبو محمد بن السيد عن محمد بن وضاح أنه كان يأمر بحذفها من الحديث، وكان السبب في ذلك أنه يشكل على أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة، وهما حديثان أحدهما أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة، والثاني أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس. وقد احتج أبو هريرة على عبد الله بن سلام لما ذكر له القول الثاني بأنها ليست ساعة صلاة وقد ورد النص بالصلاة فأجابه بالنص الآخر أن منتظر الصلاة في حكم المصلي، فلو كان قوله " وهو قائم " عند أبي هريرة ثابتا لاحتج عليه بها لكنه سلم له الجواب وارتضاه وأفتى به بعده. وأما إشكاله على الحديث الأول فمن جهة أنه يتناول حال الخطبة كله وليست صلاة على الحقيقة، وقد أجيب عن هذا الإشكال بحمل الصلاة على الدعاء أو الانتظار، ويحمل القيام على الملازمة والمواظبة، ويؤيد ذلك أن حال القيام في الصلاة غير حال السجود والركوع والتشهد مع أن السجود مظنة إجابة الدعاء، فلو كان المراد بالقيام حقيقته لأخرجه، فدل على أن المراد مجاز القيام وهو المواظبة ونحوها ومنه قوله تعالى قوله: (شيئا) أي مما يليق أن يدعو به المسلم ويسأل ربه تعالى. وفي رواية سلمة بن علقمة عن محمد ابن سيرين عن أبي هريرة عند المصنف في الطلاق " يسال الله خبرا " ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة مثله، وفي حديث أبى لبابة عند ابن ماجه " ما لم يسأل حراما " وفي حديث سعد بن عبادة عند أحمد " ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم " وهو نحو الأول، وقطيعة الرحم من جملة الإثم فهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به. قوله: (وأشار بيده) كذا هنا بإبهام الفاعل. وفي رواية أبي مصعب عن مالك " وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي رواية سلمة بن علقمة التي أشرت إليها " ووضع أنملته على بطن الوسطى أو الخنصر قلنا يزهدها " وبين أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة، وكأنه فسر الإشارة بذلك، وأنها ساعة لطيفة تتنقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين قوله " يزهدها " أى يقللها، ولمسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة " وهي ساعة خفيفة " وللطبراني في الأوسط في حديث أنس " وهي قدر هذا، يعني قبضة " قال الزين بن المنير: الإشارة لتقليلها هو للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها. وقد اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في هذه الساعة هل هي باقية أو رفعت؟ وعلى البقاء هل هي في كل جمعة أو في جمعة واحدة من كل سنة؟ وعلى الأول هل هي وقت من اليوم معين أو مبهم؟ وعلى التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه؟ وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه؟ وعلى كل ذلك هل تستمر أو تنتقل؟ وعلى الانتقال هل تستغرق اليوم أو بعضه؟ وها أنا أذكر تلخيص ما اتصل إلى من الأقوال مع أدلتها، ثم أعود إلى الجمع بينها والترجيح. فالأول: أنها رفعت، حكاه ابن عبد البر عن قوم وزيفه. وقال عياض: رده السلف على قائله. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني داود بن أبي عاصم عن عبد الله بن عبس مولى معاوية قال " قلت لأبي هريرة: إنهم زعموا أن الساعة التي في يوم الجمعة يستجاب فيها الدعاء رفعت، فقال: كذب من قال ذلك. قلت: فهي في كل جمعة؟ قال نعم " إسناده قوي. وقال صاحب الهدى: إن أراد قائله أنها كانت معلومة فرفع علمها عن الأمة فصارت مبهمة احتمل، وإن أراد حقيقتها فهو مردود على قائله، القول الثاني: أنها موجودة لكن في جمعة واحدة من كل سنة، قاله كعب الأحبار لأبي هريرة، فرد عليه فرجع إليه، رواه مالك في الموطأ وأصحاب السنن. الثالث: أنها مخفية في جميع اليوم كما أخفيت ليله القدر في العشر. روى ابن خزيمة والحاكم من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة " سألت أبا سعيد عن ساعة الجمعة فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: قد أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر". وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري فقال: لم أسمع فيها بشيء، إلا أن كعبا كان يقول لو أن إنسانا قسم جمعة في جمع لأتى على تلك الساعة، قال ابن المنذر: معناه أنه يبدأ فيدعو في جمعة من الجمع من أول النهار إلى وقت معلوم، ثم في جمعة أخرى يبتدئ من ذلك الوقت إلى وقت آخر حتى بأتي على آخر النهار. قالة: وكعب هذا هو كعب الأحبار، قال: وروينا عن ابن عمر أنه قال: إن طلب حاجة في يوم ليسير، قال: معناه أنه ينبغي المداومة على الدعاء يوم الجمعة كله ليمر بالوقت الذي يستجاب فيه الدعاء انتهى. والذي قاله ابن عمر يصلح لمن يقوى على ذلك، وإلا فالذي قاله كعب سهل على كل أحد، وقضية ذلك أنهما كانا يريان أنها غير معينة، وهو قضية كلام جمع من العلماء كالرافعي وصاحب المغني وغيرهما حيث قالوا: يستحب أن يكثر من الدعاء يوم الجمعة رجاء أن يصادف ساعة الإجابة، ومن حجة هذا القول تشبيهها بليلة القدر والاسم الأعظم في الأسماء الحسنى، والحكمة في ذلك حث العباد على الاجتهاد في الطلب واستيعاب الوقت بالعبادة، بخلاف ما لو تحقق الأمر في شيء من ذلك لكان مقتضيا للاقتصار عليه وإهمال ما عداه. الرابع: أنها تنتقل في يوم الجمعة ولا تلزم ساعة معينه لا ظاهرة ولا مخفية، قال الغزالي: هذا أشبه الأقوال، وذكره الأثرم احتمالا، وجزم به ابن عساكر وغيره. وقال المحب الطبري إنه الأظهر، وعلى هذا لا يتأتى ما قاله كعب في الجزم بتحصيلها. الخامس: إذا أذن المؤذن لصلاة الغداة، ذكره شيخنا الحافظ أبو الفضل في " شرح الترمذي " وشيخنا سراج الدين بن الملقن في " شرحه على البخاري " ونسباه لتخريج ابن أبي شيبة عن عائشة، وقد رواه الروياني في مسنده عنها فأطلق الصلاة ولم يقيدها. رواه ابن المنذر فقيدها بصلاة الجمعة، والله أعلم. السادس: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، رواه ابن عساكر من طريق أبي جعفر الرازي عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة، وحكاه القاضي أبو الطيب الطبري وأبو نصر بن الصباغ وعياض والقرطبي وغيرهم وعبارة بعضهم: ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس. السابع مثله وزاد: ومن العصر إلى الغروب. رواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة عن ليث ابن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة، وتابعه فضيل بن عياض عن ليث عند ابن المنذر، وليث ضعيف وقد اختلف عليه فيه كما ترى. الثامن مثله وزاد: وما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن يكبر رواه حميد بن زنجويه في الترغيب له من طريق عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة قال " التمسوا الساعة التي يجاب فيها الدعاء يوم الجمعة في هذه الأوقات الثلاثة " فذكرها. التاسع: أنها أول ساعة بعد طلوع الشمس حكاه الجبلي في " شرح التنبيه " وتبعه المحب الطبري في شرحه. العاشر: عند طلوع الشمس حكاه الغزالي في الإحياء وعبر عنه الزين بن المنير في شرحه بقوله: هي ما بين أن ترتفع الشمس شبرا إلى ذراع، وعزاه لأبي ذر. الحادي عشر: أنها في آخر الساعة الثالثة من النهار حكاه صاحب " المغني " وهو في مسند الإمام أحمد من طريق على بن أبي طلحة عن أبي هريرة مرفوعا " يوم الجمعة فيه طبعت طينة آدم، وفي آخر ثلاث ساعات منه ساعة من دعا الله فيها استجيب له " وفي إسناده فرج بن فضالة وهو ضعيف، وعلي لم يسمع من أبي هريرة، قال المحب الطبري: قوله " في آخر ثلاث ساعات " يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون المراد الساعة الأخيرة من الثلاث الأول، ثانيهما أن يكون المراد أن في آخر كل ساعة من الثلاث ساعة إجابة، فيكون فيه تجوز لإطلاق الساعة على بعض الساعة. الثاني عشر: من الزوال إلى أن يصير الظل نصف ذراع حكاه المحب الطبري في الأحكام وقبله الزكي المنذري. الثالث عشر: مثله لكن قال أن يصير الظل ذراعا حكاه عياض والقرطبي والنووي. الرابع عشر: بعد زوال الشمس بشبر إلى ذراع رواه ابن المنذر وابن عبد البر بإسناد قوي إلى الحارث بن يزيد الحضرمي عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي ذر أن امرأته سألته عنها فقال ذلك، ولعله مأخذ القولين اللذين قبله. الخامس عشر: إذا زالت الشمس حكاه ابن المنذر عن أبي العالية، وورد نحوه في أثناء حديث عن علي، وروى عبد الرزاق من طريق الحسن أنه كان يتحراها عند زوال الشمس بسبب قصة وقعت لبعض أصحابه في ذلك، وروى ابن سعد في الطبقات عن عبيد الله بن نوفل نحو القصة، وروى ابن عساكر من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: كانوا يرون الساعة المستجاب فيها الدعاء إذا زالت الشمس، وكأن مأخذهم في ذلك أنها وقت اجتماع الملائكة وابتداء دخول وقت الجمعة وابتداء الأذان ونحو ذلك. السادس عشر: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة رواه ابن المنذر عن عائشة قالت " يوم الجمعة مثل يوم عرفة تفتح فيه أبواب السماء، وفيه ساعة لا يسأل الله فيها العبد شيئا إلا أعطاه. قيل: أية ساعة؟ قالت: إذا أذن المؤذن لصلاة الجمعة " وهذا يغاير الذي قبله من حيث أن الأذان قد يتأخر عن الزوال، قال الزين بن المنير: ويتعين حمله على الأذان الذي بين يدي الخطيب. السابع عشر: من الزوال إلى أن يدخل الرجل في الصلاة ذكره ابن المنذر عن أبي السوار العدوي، وحكاه ابن الصباغ بلفظ: إلى أن يدخل الإمام الثامن عشر: من الزوال إلى خروج الإمام حكاه القاضي أبو الطيب الطبري. التاسع عشر: من الزوال إلى غروب الشمس حكاه أبو العباس أحمد بن علي بن كشاسب الدزماري وهو بزاي ساكنة وقبل ياء النسب راء مهملة في نكته على التنبيه عن الحسن ونقله عنه شيخنا سراج الدين ابن الملقن في شرح البخاري، وكان الدزماري المذكور في عصر ابن الصلاح. العشرون: ما بين خروج الإمام إلى أن تقام الصلاة رواه ابن المنذر عن الحسن. وروى أبو بكر المروزي في " كتاب الجمعة " بإسناد صحيح إلى الشعبي عن عوف بن حصيرة رجل من أهل الشام مثله. الحادي والعشرون: عند خروج الإمام رواه حميد بن زنجويه في " كتاب الترغيب " عن الحسن أن رجلا مرت به وهو ينعس في ذلك الوقت. الثاني والعشرون: ما بين خروج الإمام إلى أن تنقضي الصلاة رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن سالم عن الشعبي قوله. ومن طريق معاوية بن قرة عن أبي بردة عن أبى موسى قوله، وفيه أن ابن عمر استصوب ذلك. الثالث والعشرون: ما بين أن يحرم البيع إلى أن يحل رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قوله أيضا، قال الزين بن المنير: ووجهه أنه أخص أحكام الجمعة لأن العقد باطل عند الأكثر فلو اتفق ذلك في غير هذه الساعة بحيث ضاق الوقت فتشاغل اثنان بعقد البيع فخرج وفاتت تلك الصلاة لأثما ولم يبطل البيع. الرابع والعشرون: ما بين الأذان إلى انقضاء الصلاة رواه حميد بن زنجويه عن ابن عباس وحكاه البغوي في شرح السنة عنه. الخامس والعشرون: ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضي الصلاة رواه مسلم وأبو داود من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي بردة بن أبي موسى أن ابن عمر سأله عما سمع من أبيه في ساعة الجمعة فقال: سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وهذا القول يمكن أن يتخذ من اللذين قبله. السادس والعشرون: عند التأذين وعند تذكير الإمام وعند الإقامة رواه حميد بن زنجويه من طريق سليم بن عامر عن عوف بن مالك الأشجعي الصحابي. السابع والعشرون: مثله لكن قال: إذا أذن وإذا رقي المنبر إذا أقيمت الصلاة رواه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي أمامة الصحابي قوله، قال الزين بن المنير: ما ورد عند الأذان من إجابة الدعاء فيتأكد يوم الجمعة وكذلك الإقامة، وأما زمان جلوس الإمام على المنبر فلأنه وقت استماع الذكر، والابتداء في المقصود من الجمعة. الثامن والعشرون: من حين يفتتح الإمام الخطبة حتى يفرغ رواه ابن عبد البر من طريق محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا وإسناده ضعيف. التاسع والعشرون. إذا بلغ الخطيب المنبر وأخذ في الخطبة حكاه الغزالي في الإحياء. الثلاثون: عند الجلوس بين الخطبتين حكاه الطيبي عن بعض شراح المصابيح. الحادي والثلاثون: أنها عند نزول الإمام من المنبر رواه ابن أبي شيبة وحميد بن زنجويه وابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق عن أبي بردة قوله، وحكاه الغزالي قولا بلفظ: إذا قام الناس إلى الصلاة. الثاني والثلاثون: حين تقام الصلاة حتى يقوم الإمام في مقامه حكاه ابن المنذر عن الحسن أيضا، وروى الطبراني من حديث ميمونة بنت سعد نحوه مرفوعا بإسناد ضعيف، الثالث والثلاثون: من إقامة الصف إلى تمام الصلاة رواه الترمذي وابن ماجه من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وفيه: قالوا أية ساعة يا رسول الله؟ قال: حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها، وقد ضعف كثير رواية كثير، ورواه البيهقي في الشعب من هذا الوجه بلفظ ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تنقضي الصلاة ورواه ابن أبي شيبة من طريق مغيرة عن واصل الأحدب عن أبي بردة قوله، وإسناده قوى إليه، وفيه أن ابن عمر استحسن ذلك منه وبرك عليه ومسح على رأسه، وروى ابن جرير وسعيد بن منصور عن ابن سيرين نحوه. الرابع والثلاثون: هي الساعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها الجمعة رواه ابن عساكر بإسناد صحيح عن ابن سيرين، وهذا يغاير الذي قبله من جهة إطلاق ذاك وتقييد هذا، وكأنه أخذه من جهة أن صلاة الجمعه أفضل صلوات ذلك اليوم، وأن الوقت الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأوقات، وأن جميع ما تقدم من الأذان والخطبة وغيرهما وسائل وصلاة الجمعة هي المقصودة بالذات، ويؤيده ورود الأمر في القرآن بتكثير الذكر حال الصلاة كما ورد الأمر بتكثير الذكر حال القتال وذلك في قوله تعالى الخامس والثلاثون: من صلاة العصر إلى غروب الشمس رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا، ومن طريق صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ " فالتمسوها بعد العصر " وذكر ابن عبد البر أن قوله " فالتمسوها الخ " مدرج في الخبر من قول أبي سلمة، ورواه ابن منده من هذا الوجه وزاد " أغفل ما يكون الناس " ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق الشيباني عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أخيه عبيد الله كقول ابن عباس، ورواه الترمذي من طريق موسى بن وردان عن أنس مرفوعا بلفظ " بعد العصر إلى غيبوبة الشمس " وإسناده ضعيف. السادس والثلاثون: في صلاة العصر رواه عبد الرزاق عن عمر بن ذر عن يحي بن إسحاق بن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وفيه قصة. السابع والثلاثون: بعد العصر إلى آخر وقت الاختيار حكاه الغزالي في الإحياء. الثامن والثلاثون: بعد العصر كما تقدم عن أبي سعيد مطلقا، ورواه ابن عساكر من طريق محمد بن سلمة الأنصاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد مرفوعا بلفظ " وهي بعد العصر " ورواه ابن المنذر عن مجاهد مثله، ورواه ابن جريج صلى الله عليه وسلم من طريق إبراهيم بن ميسرة عن رجل أرسله عمرو بن أويس إلى أبي هريرة فذكر مثله قال: وسمعته عن الحكم عن ابن عباس مثله، ورواه أبو بكر المروذي من طريق الثوري وشعبة جميعا عن يونس بن خباب قال الثوري: عن عطاء. وقال شعبة: عن أبيه عن أبي هريرة. مثله " وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يتحراها بعد العصر، وعن ابن جريج عن بعض أهل العلم قال: لا أعلمه إلا من ابن عباس مثله، فقيل له: لا صلاة بعد العصر، فقال: بلى، لكن من كان في مصلاه لم يقم منه فهو في صلاة". التاسع والثلاثون: من وسط النهار إلى قرب آخر النهار كما تقدم أول الباب عن سلمة بن علقمة. الأربعون: من حين تصفر الشمس إلى أن تغيب رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن إسماعيل بن كيسان عن طاوس قوله، وهو قريب من الذي بعده. الحادي والأربعون: آخر ساعة بعد العصر رواه أبو داود والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن أبي سلمة عن جابر مرفوعا وفي أوله " أن النهار اثنتا عشرة ساعة " ورواه مالك وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله ابن سلام قوله، وفيه مناظرة أبي هريرة له في ذلك واحتجاج عبد الله بن سلام بأن منتظر الصلاة في صلاة، وروى ابن جرير صلى الله عليه وسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا مثله ولم يذكر عبد الله ابن سلام قوله ولا القصة، ومن طريق ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن كعب الأحبار قوله. وقال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة أنه سمع أبا سلمة يقول: حدثنا عبد الله بن عامر فذكر مثله، وروى البزار وابن جرير من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله بن سلام مثله، وروى ابن أبي خيثمة من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأبي سعيد فذكر الحديث وفيه: قال أبو سلمة فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له ذلك فلم يعرض بذكر النبي صلى الله عليه وسلم بل قال: النهار اثنتا عشرة ساعة، وإنها لفي آخر ساعة من النهار. ولابن خزيمة من طريق أبي النضر عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام قال: قلت - ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس - إنا لنجد في كتاب الله أن في الجمعة ساعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو بعض ساعة، قلت: نعم أو بعض ساعة الحديث، وفيه: قلت أي ساعة؟ فذكره. وهذا يحتمل أن يكون القائل " قلت " عبد الله بن سلام فيكون مرفوعا، ويحتمل أن يكون أبا سلمة فيكون موقوفا وهو الأرجح لتصريحه في رواية يحيى بن أبي كثير بأن عبد الله بن سلام لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الجواب. الثاني والأربعون: من حين يغيب نصف قرص الشمس، أو من حين تدلي الشمس للغروب إلى أن يتكامل غروبها رواه الطبراني في الأوسط والدار قطني في العلل والبيهقي في الشعب وفضائل الأوقات من طريق زيد بن علي ابن الحسين بن علي حدثتني مرجانة مولاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: حدثتني فاطمة عليها السلام عن أبيها فذكر الحديث، وفيه: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم أي ساعة هي؟ قال: إذا تدلى نصف الشمس للغروب. فكانت فاطمة إذا كان يوم الجمعة أرسلت غلاما لها يقال له زيد ينظر لها الشمس فإذا أخبرها أنها تدلت للغروب أقبلت على الدعاء إلى أن تغيب، في إسناده اختلاف على زيد بن علي، وفي بعض رواته من لا يعرف حاله. وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق سعيد بن راشد عن زيد بن على عن فاطمة لم يذكر مرجانة وقال فيه: إذا تدلت الشمس للغروب وقال فيه: تقول لغلام يقال له أربد: اصعد على الظراب، فإذا تدلت الشمس للغروب فأخبرني، والباقي نحوه، وفي آخره: ثم تصلي يعني المغرب. فهذا جميع ما اتصل إلى من الأقوال في ساعة الجمعة مع ذكر أدلتها وبيان حالها في الصحة والضعف والرفع والوقف والإشارة إلى مأخذ بعضها، وليست كلها متغايرة من كل جهة بل كثير منها يمكن أن يتحد مع غيره. ثم طفرت بعد كتابة هذا بقول زائد على ما تقدم وهو غير منقول، استنبطه صاحبنا العلامة الحافظ شمس الدين الجزري وأذن لي في روايته عنه في كتابه المسمى " الحصن الحصين " في الأدعية لما ذكر الاختلاف في ساعة الجمعه واقتصر على ثمانية أقوال مما تقدم ثم قال ما نصه: والذي أعتقده أنها وقت قراءة الإمام الفاتحة في صلاة الجمعة إلى أن يقول آمين، جمعا بين الأحاديث التي صحت. كذا قال، ويخدش فيه أنه يفوت على الداعي حينئذ الإنصات لقراءة الإمام، فليتأمل. قال الزين بن المنير: يحسن جمع الأقوال، وكان قد ذكر مما تقدم عشرة أقوال تبعا لابن بطال. قال: فتكون ساعة الإجابة واحدة منها لا بعينها، فيصادفها من اجتهد في الدعاء في جميعها والله المستعان. وليس المراد من أكثرها أنه يستوعب جميع الوقت الذي عين، بل المعنى أنها تكون في أثنائه لقوله فيما مضى " يقللها " وقوله " وهي ساعة خفيفة". وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلا وانتهاؤه انتهاء الصلاة. وكأن كثيرا من القائلين عين ما اتفق له وقوعها فيه من ساعة في أثناء وقت من الأوقات المذكورة، فبهذا التقرير يقل الانتشار جدا. ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام كما تقدم. قال المحب الطبري: أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى، وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام ا هـ. وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف، ولا يعارضهما حديث أبي سعيد في كونه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أن يكونا سمعا ذلك منه قبل أن أنسى، أشار إلى ذلك البيهقي وغيره. وقد اختلف السلف في أيهما أرجح، فروى البيهقي من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمه النيسابوري أن مسلما قال: حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، بذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة. وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره. وقال النووي: هو الصحيح، بل الصواب. وجزم في الروضة بأنه الصواب، ورجحه أيضا بكونه مرفوعا صريحا وفي أحد الصحيحين، وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث على ذلك. وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب. وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. ورجحه كثير من الأئمة أيضا كأحمد وإسحاق ومن المالكية الطرطوشي، وحكى العلائي أن شيخه ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص الشافعي. وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ، كحديث أبي موسى هذا فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب: أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه، وكذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة وزاد: إنما هي كتب كانت عندنا. وقال علي بن المديني: لم أسمع أحدا من أهل المدينة يقول عن مخرمة إنه قال في شيء من حديثه سمعت أبي، ولا يقال مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا، لأنا نقول: وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع. وأما الاضطراب فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله، وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد. وأيضا فلو كان عند أبي بردة مرفوعا لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع، ولهذا جزم الدار قطني بأن الموقوف هو الصواب، وسلك صاحب الهدي مسلكا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر: الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين. وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد، وهو أولى في طريق الجمع. وقال ابن المنير في الحاشية: إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بين لاتكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها. وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم فضل يوم الجمعة لاختصاصه بساعة الإجابة، وفي مسلم أنه خير يوم طلعت عليه الشمس. وفيه فضل الدعاء واستحباب الإكثار منه، واستدل به على بقاء الإجمال بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتعقب بأن لا خلاف في بقاء الإجمال في الأحكام الشرعية لا في الأمور الوجودية كوقت الساعة، فهذا الاختلاف في إجماله، والحكم الشرعي المتعلق بساعة الجمعة وليلة القدر - وهو تحصيل الأفضلية - يمكن الوصول إليه والعمل بمقتضاه باستيعاب اليوم أو الليلة، فلم يبق في الحكم الشرعي إجمال والله أعلم. فإن قيل: ظاهر الحديث حصول الإجابة لكل داع بالشرط المتقدم، مع أن الزمان يختلف باختلاف البلاد والمصلي فيتقدم بعض على بعض، وساعة الإجابة متعلقة بالوقت، فكيف تتفق مع الاختلاف؟ أجيب باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصل، كما قيل نظيره في ساعة الكراهة، ولعل هذا فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها وإن كانت هي خفيفة، ويحتمل أن يكون عبر عن الوقت بالفعل فيكون التقدير وقت جواز الخطبة أو الصلاة ونحو ذلك، والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة الخ) ظاهر الترجمة أن استمرار الجماعة الذين تنعقد بهم الجمعة إلى تمامها ليس بشرط في صحتها، بل الشرط أن تبقى منهم بقية ما. ولم يتعرض البخاري لعدد من تقوم بهم الجمعة لأنه لم يثبت منه شيء على شرطه، وجملة ما للعلماء فيه خمسة عشر قولا: أحدها تصح من الواحد، نقله ابن حزم. الثاني اثنان كالجماعة، وهو قول النخعي وأهل الظاهر والحسن بن حي. الثالث اثنان مع الإمام، عند أبي يوسف ومحمد. الرابع ثلاثة معه، عند أبي حنيفة. الخامس سبعة، عند عكرمة. السادس تسعة، عند ربيعة. السابع اثنا عشر عنه في رواية. الثامن مثله غير الإمام عند إسحاق. التاسع عشرون في رواية ابن حبيب عن مالك. العاشر ثلاثون كذلك. الحادي عشر أربعون بالإمام عند الشافعي. الثاني عشر غير الإمام عنه وبه قال عمر بن عبد العزيز وطائفة. الثالث عشر خمسون عن أحمد في رواية وحكى عن عمر بن عبد العزيز. الرابع عشر ثمانون حكاه المازري. الخامس عشر جمع كثير بغير قيد. ولعل هذا الأخير أرجحها من حيث الدليل، ويمكن أن يزداد العدد باعتبار زيادة شرط كالذكورة والحرية والبلوغ والإقامة والاستيطان فيكمل بذلك عشرون قولا. قوله: (جائزة) في رواية الأصيلي " تامة". الحديث: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا الشرح: قوله: (عن حصين) هو ابن عبد الرحمن الواسطي ومدار هذا الحديث في الصحيحين عليه، وقد رواه تارة عن سالم بن أبي الجعد وحده كما هنا وهي رواية أكثر أصحابه، وتارة عن أبي سفيان طلحة بن نافع وحده وهي رواية قيس بن الربيع وإسرائيل عند ابن مردويه، وتارة جمع بينهما عن جابر وهي رواية خالد بن عبد الله عند المصنف في التفسير وعند مسلم، وكذا رواية هشيم عنده أيضا. قوله: (بينما نحن نصلي) في رواية خالد المذكورة عند أبي نعيم في المستخرج " بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة " وهذا ظاهر في أن انفضاضهم وقع بعد دخولهم في الصلاة، لكن وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن إدريس عن حصين " ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب " وله في رواية هشيم " بينا النبي صلى الله عليه وسلم قائم - زاد أبو عوانة في صحيحه والترمذي والدار قطني من طريقه - يخطب " ومثله لأبي عوانة من طريق عباد بن العوام، ولعبد بن حميد من طريق سليمان بن كثير كلاهما عن حصين، وكذا وقع في رواية قيس بن الربيع وإسرائيل، ومثله في حديث ابن عباس عند البزار. وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط وفي مرسل قتادة عند الطبراني وغيره. فعلى هذا فقوله " نصلي " أي ننتظر الصلاة. وقوله "في الصلاة " أي في الخطبة مثلا وهو من تسمية الشيء بما قاربه، فبهذا يجمع بين الروايتين، ويؤيده استدلال ابن مسعود على القيام في الخطبة بالآية المذكورة كما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح، وكذا استدل به كعب بن عجرة في صحيح مسلم، وحمل ابن الجوزي قوله " يخطب قائما " على أنه خبر آخر غير خبر كونهم كانوا معه في الصلاة فقال: التقدير صلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يخطب قائما الحديث، ولا يخفى تكلفه. قوله: (إذ أقبلت عير) بكسر المهملة هي الإبل التي تحمل التجارة طعاما كانت أو غيره، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. ونقل ابن عبد الحق في جمعه أن البخاري لم يخرج قوله إذ أقبلت عير تحمل طعاما وهو ذهول منه، نعم سقط ذلك في التفسير وثبت هنا وفي أوائل البيوع وزاد فيه أنها أقبلت من الشام، ومثله لمسلم من طريق جرير عن حصين، ووقع عند الطبري من طريق السدي عن أبي مالك ومرة فرقهما أن الذي قدم بها من الشام دحية بن خليفة الكلبي، ونحوه في حديث ابن عباس عند البزار، ولابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس " جاءت عير لعبد الرحمن بن عوف " وجمع بين هاتين الروايتين بأن التجارة كانت لعبد الرحمن بن عوف وكان دحية السفير فيها أو كان مقارضا. ووقع في رواية ابن وهب عن الليث أنها كانت لوبرة الكلبي، ويجمع بأنه كان رفيق دحية. قوله: (فالتفتوا إليها) في رواية ابن فضيل في البيوع " فانفض الناس " وهو موافق للفظ القرآن ودال على أن المراد بالالتفات الانصراف، وفيه رد على من حمل الالتفات على ظاهره فقال: لا يفهم من هذا الانصراف عن الصلاة وقطعها، وإنما يفهم منه التفاتهم بوجوههم أو بقلوبهم، وأما هيئة الصلاة المجزئة فباقية. ثم هو مبني على أن الانفضاض وقع في الصلاة، وقد ترجح فيما مضى أنه إنما كان في الخطبة، فلو كان كما قيل لما وقع هذا الإنكار الشديد، فإن الالتفات فيها لا ينافي الاستماع، وقد غفل قائله عن بقية ألفاظ الخبر. وفي قوله " فالتفتوا " الحديث التفات، لأن السياق يقتضى أن يقول فالتفتنا، وكأن الحكمة في عدول جابر عن ذلك أنه هو لم يكن ممن التفت كما سيأتي. قوله: (إلا اثني عشر) قال الكرماني ليس هذا الاستثناء مفرغا فيجب رفعه، بل هو من ضمير بقى الذي يعود إلى المصلى فيجوز فيه الرفع والنصب، قال: وقد ثبت الرفع في بعض الروايات ا ه. ووقع في تفسير الطبري وابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى أبي قتادة قال " قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أنتم؟ فعدوا أنفسهم، فإذا هم اثنا عشر رجلا وامرأة " وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي " وامرأتان " ولابن مردويه من حديث ابن عباس " وسبع نسوة " لكن إسناده ضعيف. واتفقت هذه الروايات كلها على اثني عشر رجلا إلا ما رواه علي بن عاصم عن حصين بالإسناد المذكور فقال " إلا أربعين رجلا " أخرجه الدار قطني وقال: تفرد به على بن عاصم وهو ضعيف الحفظ، وخالفه أصحاب حصين كلهم. وأما تسميتهم فوقع في رواية خالد الطحان عند مسلم أن جابرا قال " أنا فيهم"، وله في رواية هشيم " فيهم أبو بكر وعمر"، وفي الترمذي أن هذه الزيادة في رواية حصين عن أبي سفيان دون سالم، وله شاهد عند عبد بن حميد عن الحسن مرسلا ورجال إسناده ثقات، وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي " أن سالما مولى أبي حذيفة منهم " وروى العقيلي عن ابن عباس " أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسا من الأنصار " وحكى السهيلي أن أسد بن عمرو روى بسند منقطع " أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال وابن مسعود " قال وفي رواية " عمار " بدل ابن مسعود ا ه. ورواية العقيلي أقوى وأشبه بالصواب، ثم وجدت رواية أسد بن عمرو عند العقيلي بسند متصل لا كما قال السهيلي أنه منقطع أخرجه من رواية أسد عن حصين عن سالم. قوله: (فنزلت هذه الآية) ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة، والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القادمين وما معهم. ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، وكانت لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليها الخيل والإبل السمن، فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه، وكان لهم لهو يضربونه فنزلت " ووصله أبو عوانة في صحيحه والطبري بذكر جابر فيه " أنهم كانوا إذا نكحوا تضرب الجواري بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فنزلت هذه الآية " وفي مرسل مجاهد عن عبد بن حميد " كان رجال يقومون إلى نواضحهم، وإلى السفر يقدمون يبتغون التجارة واللهو، فنزلت " ولا بعد في أن تنزل في الأمرين معا وأكثر، وسيأتي الكلام على ذلك مستوفي مع تفسير الآية المذكورة في كتاب التفسير إن شاء الله تعالى. والنكتة في قوله: (انفضوا إليها) دون قوله إليهما أو إليه أن اللهو لم يكن مقصودا لذاته وإنما كان تبعا للتجارة، أو حذف لدلالة أحدهما على الآخر. وقال الزجاج: أعيد الضمير إلى المعنى، أي انفضوا إلى الرؤية أي ليروا ما سمعوه. (فائدة) : ذكر الحميدي في الجمع أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في آخر هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال " لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لسال بكم الوادي نارا " قال: وهذا لم أجده في الكتابين ولا في مستخرجي الإسماعيلي والبرقاني، قال: وهي فائدة من أبي مسعود، ولعلنا نجدها بالإسناد فيما بعد انتهى. ولم أر هذه الزيادة في الأطراف لأبي مسعود ولا هي في شيء من طرق حديث جابر المذكورة، وإنما وقعت في مرسلي الحسن وقتادة المتقدم ذكرهما، وكذا في حديث ابن عباس عند ابن مردويه وفي حديث أنس عند إسماعيل بن أبي زياد وسنده ساقط. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن الخطبة تكون عن قيام كما تقدم، وأنها مشترطة في الجمعة حكاه القرطبي واستبعده، وأن البيع وقت الجمعة ينعقد ترجم عليه سعيد بن منصور، وكأنه أخذه من كونه صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بفسخ ما تبايعوا فيه من العير المذكورة ولا يخفى ما فيه. وفيه كراهية ترك سماع الخطبة بعد الشروع فيها، واستدل به على جواز انعقاد الجمعة باثني عشر نفسا وهو قول ربيعة، ويجئ أيضا على قول مالك، ووجه الدلالة منه أن العدد المعتبر في الابتداء يعتبر في الدوام فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على الاثني عشر دل على أنه كاف. وتعقب بأنه يحتمل أنه تمادى حتى عادوا أو عاد من تجزئ بهم، إذ لم يرد في الخبر أنه أتم الصلاة. ويحتمل أيضا أن يكون أتمها ظهرا. وأيضا فقد فرق كثير من العلماء بين الابتداء والدوام في هذا فقيل: إذا انعقدت لم يضر ما طرأ بعد ذلك ولو بقي الإمام وحده. وقيل: يشترط بقاء واحد معه، وقيل اثنين، وقيل يفرق بين ما إذا انفضوا بعد تمام الركعة الأولى فلا يضر بخلاف ما قبل ذلك، وإلى ظاهر هذا الحديث صار إسحاق بن راهويه فقال: إذا تفرقوا بعد الانعقاد فيشترط بقاء اثني عشر رجلا. وتعقب بأنها واقعة عين لا عموم فيها، وقد تقدم أن ظاهر ترجمة البخاري تقتضي أن لا يتقيد الجمع الذي يبقى مع الإمام بعدد معين، وتقدم ترجيح كون الانفضاض وقع في الخطبة لا في الصلاة، وهو اللائق بالصحابة تحسينا للظن بهم، وعلى تقدير أن يكون في الصلاة حمل على أن ذلك وقع قبل النهي كآية وقول المصنف في الترجمة " فصلاة الإمام ومن بقي جائزة " يؤخذ منه أنه يرى أن الجميع لو انفضوا في الركعة الأولى ولم يبق إلا الإمام وحده أنه لا تصح له الجمعة، وهو كذلك عند الجمهور كما تقدم قريبا. وقيل تصح إن بقي واحد، وقيل إن بقي اثنان، وقيل ثلاثة، وقيل إن كان صلى بهم الركعة الأولى صحت لمن بقي، وقيل يتمها ظهرا مطلقا. وهذا الخلاف كله أقوال مخرجة في مذهب الشافعي إلا الأخير فهو قوله في الجديد، وإن ثبت قول مقاتل بن حيان الذي أخرجه أبو داود في المراسيل أن الصلاة كانت حينئذ قبل الخطبة زال الإشكال، لكنه مع شذوذه معضل. وقد استشكل الأصيلي حديث الباب فقال: إن الله تعالى قد وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم انتهى. وهذا الذي يتعين المصير إليه مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة، وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهي عن ذلك، فلما نزلت آية الجمعة. وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه فوصفوا بعد ذلك بما في آية النور. والله أعلم. *3* الشرح: قوله: (باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها) أورد فيه حديث ابن عمر في التطوع بالرواتب وفيه " وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين " ولم يذكر شيئا في الصلاة قبلها. قال ابن المنير في الحاشية: كأنه يقول الأصل استواء الظهر والجمعة حتى يدل دليل على خلافه، لأن الجمعة بدل الظهر. قال: وكانت عنايته بحكم الصلاة بعدها أكثر، ولذلك قدمه في الترجمة على خلاف العادة في تقديم القبل على البعد انتهى. ووجه العناية المذكورة ورود الخبر في البعد صريحا دون القبل. وقال ابن بطال: إنما أعاد ابن عمر ذكر الجمعة بعد الظهر من أجل. أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي سنة الجمعة في بيته بخلاف الظهر، قال: والحكمة فيه أن الجمعة لما كانت بدل الظهر واقتصر فيها على ركعتين ترك التنفل بعدها في المسجد خشية أن يظن أنها التي حذفت. انتهى. وعلى هذا فينبغي أن لا يتنفل قبلها ركعتين متصلتين بها في المسجد لهذا المعنى. وقال ابن التين: لم يقع ذكر الصلاة قبل الجمعة في هذا الحديث، فلعل البخاري أراد إثباتها قياسا على الظهر. انتهى. وقواه الزين بن المنير بأنه قصد التسوية بين الجمعة والظهر في حكم التنفل كما قصد التسوية بين الإمام والمأموم في الحكم، وذلك يقتضي أن النافلة لهما سواء. انتهى. والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما وقع في بعض طرق حديث الباب، وهو ما رواه أبو داود وان حبان من طريق أيوب عن نافع قال " كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك " احتج به النووي في الخلاصة على إثبات سنة الجمعة التي قبلها، وتعقب بأن قوله " وكان يفعل ذلك " عائد على قوله " ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته " ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته ثم قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع لك " أخرجه مسلم. وأما قوله " كان يطيل الصلاة قبل الجمعة " فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة لا صلاة راتبة فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها بل هو تنفل مطلق، وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره حيث قال فيه " ثم صلى ما كتب له". وورد في سنة الجمعة التي قبلها أحاديث أخرى ضعيفة منها عن أبي هريرة رواه البزار بلفظ " كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها أربعا " وفي إسناده ضعف، وعن علي مثله رواه الأثرم والطبراني في الأوسط بلفظ " كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا " وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي وهو ضعيف عند البخاري وغيره. وقال الأثرم إنه حديث واه. ومنها عن ابن عباس مثله وزاد " لا يفصل في شيء منهن " أخرجه ابن ماجه بسند واه، قال النووي في الخلاصة: إنه حديث باطل. وعن ابن مسعود عند الطبراني أيضا مثله وفي إسناده ضعف وانقطاع. ورواه عبد الرزاق عن ابن مسعود موقوفا وهو الصواب. وروى ابن سعد عن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم موقوفا نحو حديث أبي هريرة، وقد تقدم في أثناء الكلام على حديث جابر في قصة سليك قبل سبعة أبواب قول من قال: إن المراد بالركعتين اللتين أمره بهما النبي صلى الله عليه وسلم سنة الجمعة، والجواب عنه، وقد تقدم نقل المذاهب في كراهة التطوع نصف النهار ومن استثنى يوم الجمعة دون بقية الأيام في " باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر " في أواخر المواقيت. وأقوى ما يتمسك به في مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعا " ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان " ومثله حديث عبد الله بن مغفل الماضي في وقت المغرب بين كل أذانين صلاة، وسيأتي الكلام على بقية حديث ابن عمر في أبواب التطوع إن شاء الله تعالى *3* الشرح: قوله: (باب قول الله عز وجل أورد فيه حديث سهل بن سعد في قصة المرأة التي كانت تطعمهم بعد الجمعة، فقيل أراد بذلك بيان أن الأمر في قوله: (فانتشروا - وابتغوا) للإباحة لا للوجوب لأن انصرافهم إنما كان للغداء ثم للقائلة عوضا مما فاتهم من ذلك في وقته المعتاد لاشتغالهم بالتأهب للجمعة ثم بحضورها ووهم من زعم أن الصارف للأمر عن الوجوب هنا كونه ورد بعد الحظر لأن ذلك لا يستلزم عدم الوجوب، بل الإجماع هو الدال على أن الأمر المذكور للإباحة، وقد جنح الداودي إلى أنه على الوجوب في حق من يقدر على الكسب، وهو قول شاذ نقل عن بعض الظاهرية. وقيل هو في حق من لا شيء عنده ذلك اليوم فأمر بالطلب بأي صورة اتفقت ليفرح عياله ذلك اليوم لأنه يوم عيد، والذي يترجح أن في قوله: (انتشروا - وابتغوا) إشارة إلى استدراك ما فاتكم من الذي انفضضتم إليه فتنحل إلى أنها قضية شرطية، أي من وقع له في حال خطبة الجمعة وصلاتها زمان يحصل فيه ما يحتاج إليه من أمر دنياه ومعاشه فلا يقطع العبادة لأجله بل يفرغ منها ويذهب حينئذ لتحصيل حاجته، وبالله التوفيق. الحديث: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ الشرح: قوله: (حدثنا أبو غسان) هو محمد بن مطرف المدني، وأبو حازم هو سلمة بن دينار، ووهم من زعم أنه سلمان مولى عزة صاحب أبي هريرة. قوله: (كانت فينا امرأة) لم أقف على اسمها. قوله: (تجعل) في رواية الكشميهني تحقل بمهملة بعدها قاف أي تزرع، والأربعاء جمع ربيع كأنصباء ونصيب، والربيع الجدول وقيل الصغير وقيل الساقية الصغيرة وقيل حافات الأحواض، والمزرعة بفتح الراء وحكى ابن مالك جواز تثليثها، والسلق بكسر المهملة معروف وحكم الكرماني أنه وقع هنا سلق بالرفع وتكلف في توجيهه. قوله: (تطحنها) في رواية المستملي " تطبخها " بتقديم الموحدة بعدها معجمة وكلاهما صحيح. قوله: (فتكون أصول السلق عرقه) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها قاف ثم هاء ضمير أي عرق الطعام، والعرق اللحم الذي على العظم، والمراد أن السلق يقوم مقامه عندهم. وسيأتي في الأطعمة من وجه آخر في آخر الحديث " والله ما فيه شحم ولا ودك " وفي رواية الكشميهني " غرقة " بفتح المعجمة وكسر الراء وبعد القاف هاء التأنيث، والمراد أن السلق يغرق في المرقة لشدة نضجه، وفي هذا الحديث جواز السلام على النسوة الأجانب، واستحباب التقرب بالخير ولو بالشيء الحقير، وبيان ما كان الصحابة عليه من القناعة وشدة العيش والمبادرة إلى الطاعة رضي الله عنهم. قوله: (بهذا) أي بالحديث الذي قبله، وظاهره أن أبا غسان وعبد العزيز بن أبي حازم اشتركا في رواية هذا الحديث عن أبي حازم، وزاد عبد العزيز الزيادة المذكورة وهي قوله " ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة " وقد رواها أبو غسان مفردة كما في الباب الذي بعده، لكن ليس فيه ذكر الغداء، وبين رواية أبي غسان وعبد العزيز تفاوت يأتي بيانه في " باب تسليم الرجال على النساء " من كتاب الاستئذان إن شاء الله تعالى. واستدل بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وترجم عليه ابن أبي شيبة " باب من كان يقول الجمعة أول النهار " وأورد فيه حديث سهل هذا وحديث أنس الذي بعده وعن ابن عمر مثله وعن عمر وعثمان وسعد وابن مسعود مثله من قولهم، وتعقب بأنه لا دلالة فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال، بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء والقاثلة بالتهيؤ للجمعة ثم بالصلاة، ثم ينصرفون فيتداركون ذلك. بل ادعى الزين بن المنير أنه يؤخذ منه أن الجمعة تكون بعد الزوال لأن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال فأخبر الصحابي أنهم كانوا يشتغلون بالتهيؤ للجمعة عن القائلة ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة. *3* الشرح: قوله: (باب القائلة بعد الجمعة) أورد فيه حديث أنس، وقد تقدم في " باب وقت الجمعة " وحديث سهل وقد تقدم في الباب الذي قبله والله الموفق. (خاتمة) : اشتمل كتاب الجمعة من الأحاديث المرفوعة على تسعة وسبعين حديثا الموصول منها أربعه وستون حديثا، والمعلق والمتابعة خمسة عشر حديثا، المكرر منها فيها وفيما مضى ستة وثلاثون حديثا، والخالص ثلاثة وأربعون حديثا كلها موصولة، وافقه مسلم على تخريجها إلا حديث سليمان في الاغتسال والدهن والطيب، وحديث عمر وامرأة عمر في النهي عن منع النساء المساجد، وحديث أنس في صلاة الجمعة حين تميل الشمس، وحديثه في القائلة بعدها وحديثه " كان إذا اشتد البرد بكر بالصلاة " وحديث أبي عبس " من اغبرت قدماه " وحديث السائب بن يزيد في النداء يوم الجمعة، وحديث أنس في الجذع، وحديث عمرو بن تغلب " إني أكل أقواما " وحديث ابن عباس في الوصية بالإنصات، وحديث سهل بن سعد الأخير في قصة المرأة والقائلة بعد الجمعة. وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين أربعة عشر أثرا. الحديث: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَبْوَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ الشرح: قوله: (أبواب صلاة الخوف) ثبت لفظ أبواب للمستملي وأبي الوقت. وفي رواية الأصيلي وكريمة " باب " بالإفراد، وسقط للباقين.
|